تقديم
في هذا المقال، يطرح المفكر الاقتصادي العالمي د. سمير أمين رؤية نقدية لنمط الرأسمالية الليبرالية وللحجج التي يسوقها دعاته في محاولة لتصويره باعتباره النمط الأوحد الذي لا بديل عنه لتحقيق التنمية والرفاهية. وتنبع أهمية هذه الرؤية من مكانة صاحبها، الذي أثرى مجال الاقتصاد السياسي بعشرات الكتب والدراسات القيمة، ومنها على سبيل المثال: التراكم على الصعيد العالمي (1973)؛ التطور اللامتكافئ (1974)؛ أزمة الإمبريالية أزمة بنيوية (1982)؛ ما بعد الرأسمالية (1988)؛ من نقد الدولة السوفيتية إلى نقد الدولة الوطنية (1992)؛ الاقتصاد السياسي للتنمية في القرنين العشرين والحادي والعشرين (2002)؛ الفيروس الليبرالي: الحرب الدائمة وأمركة العالم (2004)؛ ثورة مصر (2011)؛ قانون القيمة المعولمة (2012). وفي الوقت نفسه، يشارك د. سمير أمين بنشاط في حركة مناهضة العولمة، ويُعتبر أحد رموزها، كما كان من مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري في أعقاب ثورة 25 يناير.
المحاسيب رأسماليه
ليبرالية أم رأسمالية وتنمية رثة
د. سمير أمين
أولا: رأسمالية ليبرالية أم
رأسمالية المحاسيب؟
يعتمد نمط الرأسمالية الليبرالية
المطروح- بل المفروض بناءً على الادعاء بأنه "لابديل له"- على سبعة
مبادىء تُعتبر صائبة لجميع مجتمعات الكوكب.
1- ضرورة– لاحياد عنها- لإدارة
الاقتصاد على قاعدة الملكية الخاصة. وذلك لأن المؤسسات الخاصة هي الوحيدة التي
تعمل طبقاً لمقتضيات المنافسة الشفافة، ولأن هذه الممارسات تؤول إلى نتائج صالحة
للمجتمع ككل؛ إذ إنها تضمن معدل نمو ملحوظ بالتزامن مع استخدام رشيد للموارد وصرف
العائد المناسب والعامل لكل عوامل الإنتاج (العمل ورأس المال والطبيعة).
وبالتالي، ففي فرضية أن الدولة
تملك موجودات ورثتها من النمط "الاشتراكي المنحوس"– سواء كانت ممتلكات
إنتاجية أم مؤسسات مالية أم أراضٍ زراعية أو صحراوية– فلابد من خصخصة هذه
الموجودات فوراً.
2- ضرورة لبرلة سوق العمل، والتخلي
عن تحديد حد أدنى للأجور. أما قوانين تنظيم العمل فلابد من اختزالها إلى تلك
القواعد التي تضمن احترام مبادىء الأخلاق في العلاقات بين صاحب العمل والعامل ولاغير.
وبالتالي فلابد من احترام سلم الأجور الناتج عن التفاوض الحر بين الطرفين، وكذلك
قبول تقسيم الدخل القومي بين عوائد العمل ورأس المال الملازم لحرية سوق العمل.
3- لابد أيضاً من خصخصة إدارة
الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة وتوفير المياه والكهرباء والاسكان والنقل
والمواصلات). فإذا كانت الدولة والهيئات المحلية قد وفرت هذه الخدمات في الماضي،
فلابد من التخلي عن هذا المبدأ العام. بحيث يصبح المستفيد من الخدمة هو الذي يتحمل
ثمنها وليس المواطن المجهول من خلال الضرائب.
4- لابد من تخفيف العبء الضرائبي
إلى الحد الأدنى المطلوب لتغطية مسئوليات السيادة (الدفاع والأمن الداخلي) وأن تظل
نسب الضرائب معتدلة بحيث لاتصبح عائقاً في سبيل المبادرات الخاصة، وأن يُضمن لها
عائد عادل تستحقه.
5- لابد من تسليم إدارة الائتمان للمصالح
الخاصة؛ وضمان التحرك الحر للعرض والطلب، ومن ثم تلاقيهما "الطبيعي" في
سوق نقدي ومالي رشيد.
6- لابد من ضمان التوازن في
الموازنة العامة بحيث لايحدث عجز عالٍ في ظروف عارضة ومؤقتة. فإذا كانت الدولة
تعاني من عجز هيكلي موروث من ممارسات الماضي غير الصائبة فلابد من القيام بالإصلاح
المطلوب الذي من شأنه أن يخفف فوراً عبء العجز. وإلى أن يتحقق هدف الإصلاح فلا
مناص من أن تلجأ الدولة إلى الاقتراض بشرط أن تتوجه الدولة إلى الأسواق المالية
الخاصة الوطنية والخارجية.
ويُنظر إلى هذه المبادىء الستة
على أنها تنطبق ليس فقط على المستوى الوطني بل أيضاً على مستوى العلاقات الدولية
والإقليمية (على سبيل المثال في إطار الوحدة الأوروبية). فلابد أن يتمتع رأس المال
الخاص بالحرية في تعاملاته الدولية، وأن يُعامل المال الأجنبي على قدم المساواة مع
المال الوطني.
وتشكل هذه المبادىء معاً جوهر
مذهب الليبرالية (الأصولية). بيد أنني سوف أشير هنا إلى التناقض بين هذه المبادىء
وواقع الأمور، وذلك– باختصار– لأن حرية الأسواق المعمَّمة لاتحقق توازناً بين
العرض والطلب– وذلك حتى في الفرضية المتطرفة الخيالية بأن تسود الشفافية في
معاملات السوق. يُضاف إلى ذلك أن النظرية الاقتصادية الليبرالية لم تبرهن بالدليل
العلمي على أن مثل هذا التوازن المتوقع حدوثه من شأنه أن يحقق أيضاً الحل الأمثل
اجتماعياً. وعلى خلاف كل هذه الأقوال فإن حرية الأسواق تؤول فقط إلى انتقال النظام
من وضع اختلالي إلى وضع اختلالي آخر دون أن تميل الحركة إلى انجاز التوازن
المزعوم. ويرجع السبب في اتجاه هذه الحركة من اختلال إلى اختلال آخر إلى فعل صراع
المصالح الاجتماعية والوطنية؛ وذلك هو العامل الذي يتجاهله المذهب الليبرالي.
وبالمثل، فإن الفرضيات التي
تقوم على أساسها الطروحات الليبرالية تصف عالماً خيالياً لاعلاقة له بالواقع
القائم، وهو رأسمالية الاحتكارات المعممة.
وقد توصلت، بناءً على هذه
الملاحظة، إلى الاستنتاج بأن الليبرالية نظام غير قابل للاستقرار، وأن انفجاره-
وهو الواقع الملحوظ- كان متوقعاً.
وبالتالي فإن تطبيق مبادىء
الليبرالية على مجتمعات التخوم التي ترضى بالخضوع لها لن ينتج سوى قيام رأسمالية
المحاسيب التي تلازم تكريس دولة كومبرادورية في خدمتها، ولن يُسمح بإقامة دولة
وطنية تعمل من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية قابلة للدوام. فلا بديل هنا لهذا
النمط من رأسمالية المحاسيب التي يصاحبها نمطٌ من التنمية الرثة، ولا غير.
وتقوم تجربة مصر شاهداً على
ذلك.
ثانيا: رأسمالية المحاسيب ونمط
التنمية الرثة في مصر (1970-2013)
سارت جميع الحكومات منذ تولي
السادات زمام الحكم إلى يومنا هذا- أي في ظل رئاسة مرسي- في سبيل تطبيق مبادىء
الليبرالية، وذلك دون أدنى تردد أو تشكيك في صوابها. والنتائج التي ترتبت على ذلك
واضحة، فلا جدال في أنها أمرٌ واقع، وهى التالية:
1- قام السادات بتفكيك المشروع
الناصري لإقامة دولة وطنية تنموية. وأعلن ذلك منذ بداية توليه السلطة، فصرح
للمحاور الأمريكي أنه يسعى إلى رمي الناصرية والاشتراكية وكل الكلام الفارغ هذا في
سلة المهملات، وطلب معونة أمريكا من أجل تحقيق هذا الهدف. وبالطبع وفرت الولايات
المتحدة هذه المساعدة المطلوبة. وفي هذا الإطار تم "بيع" كثير من ممتلكات
الدولة من مؤسسات صناعية ومالية وتجارية وأراضٍ زراعية وصحراوية.
ولكن، لصالح مَنْ تم هذا
"البيع" ؟ لقد كان لصالح "رجال أعمال" قريبين من السلطة: مثل
كبار الضباط، وكبار الموظفين، وتجار أغنياء- ولاسيما هؤلاء التجار المنحازين للإخوان
المسلمين الذين فتح السادات باب عودتهم من المنفى في الخليج (وقد عاد هؤلاء حاملين
ثروات هائلة). كما تم جزء من هذا "البيع" لصالح عرب الخليج وشركات
أجنبية أوروبية وأمريكية.
ويُلاحظ أن الصفقات تمت بأسعار
تافهة لاعلاقة لها بالقيمة الحقيقية للأصول المعنية.
وهكذا تكونت طبقة جديدة من
"الأغنياء" المصريين والعرب. وهذا النوع من التكوين الاجتماعي يستحق
تماماً ان يُطلق عليه اسم "رأسمالية المحاسيب".
ويلي ذلك عدد من الملاحظات:
(أ) غيَّرت الملكيات
المحوَّلة للقوات المسلحة تماماً طابع المسئولية التي كانت تمارسها هذه القوات
سابقاً في إدارة بعض قطاعات المنظومة الانتاجية. فبينما كان الجيش الوطني في
الماضي يدعم هذه المؤسسات (المصانع الحربية) بصفتة مؤسسة تابعة للدولة، أصبحت
الحقوق في الإدارة شيئاً آخر تماماً قائماً على تكريس حقوق الملكية الخاصة. كما أن
بعض الضباط من ذوي المناصب العليا قد "اشتروا" ممتلكات أخرى، ولاسيما
تجمعات تجارية وأراضٍ حضرية وتجمعات سكنية فخمة وقرى سياحية.
(ب) يُلقي الرأي العام
المصري على هذه الممارسات صفة "الفساد"؛ الذي يمكن أن يُحل على أرضية
الأخلاق؛ مفترضاً أن وجود نظام قضائي صالح هو الأداة القادرة على التخفيف من
الفساد. بل إن هناك أجنحة من اليسار تميِّز بين الرأسمالية المنتجة- المُرحَّب
بها- والرأسمالية الطُفيلية المرفوضة. وهؤلاء جميعاً لايدركون أن رأسمالية التخوم في
اطار سيادة الليبرالية لايمكن أن تكون مختلفة عن نمط رأسمالية المحاسيب- فليست هذه
الطبقة برجوازية في سبيل التكوين كما يزعم البنك الدولي؛ اذ إن ظهور هذه الطبقة
يفترض وجود عامل دولة كومبرادورية في خدمتها.
(ج) تشكلت الثروات
المصرية والعربية والأجنبية المذكورة من خلال تملك موجودات قائمة دون إضافة تُذكر
لقدرة الاقتصاد الانتاجية. فالعملية انتهت إلى تكريس وضع مؤسسات احتكارية خاصة
أصبحت تسيطر على الاقتصاد المصري بعيداً عن خطاب المنافسة الشفافة!
ثم إن النصيب الأكبر
من هذه الثروات يخص موجودات عقارية: (قرى سياحية "مارينات"، مجمعات
سكنية فاخرة محصنة وراء أسوار مغلقة على نمط أمريكا اللاتينية، أراضٍ صحراوية
مخصصة مبدئياً للتوسع الزراعي). بيد أن ملاك هذه الأراضي ينتظرون أن تقوم الدولة
بالاستثمارات الضخمة المطلوبة لجعلها صالحة للمزارعة كي يبيعونها؛ دون أن تُخصم
تكاليف الاستثمار من أرباحهم الخيالية المقبلة. فهي عملية مضاربة سهلة ليس إلا.
2- سعت الدولة إلى تدعيم الوضع
الاحتكاري لرأسمالية المحاسيب من خلال إمدادها بالقروض المصرفية السهلة، حتى صارت هذه
القروض- ومنها تلك التي استُخدمت لتوفير مال الشراء- تمتص معظم أموال البنوك، وذلك
على حساب تمويل صغار ومتوسطي المنتجين الحقيقيين.
2- تم تدعيم هذه المواقع الاحتكارية
أيضاً من خلال دعم مولتة موازنة الدولة، وذلك بمبالغ ضخمة. ومن ذلك، على سبيل
المثال، الدعم المخصص لتعويض استهلاك بعض الصناعات الكبرى (الصلب، الكيماويات، الأسمنت،
الألومنيوم، الغزل والنسيج) من البترول والغاز والكهرباء. بيد أن "حرية
الأسواق" أتاحت لهذه الصناعات أن ترفع أسعارها حتى تكون قريبة من أسعار المواد
المستوردة البديلة. وبالتالي صار الدعم مصدراً لمزيد من الأرباح الخيالية. ويُلاحظ
إذن أن منطق هذا الدعم لاعلاقة له بما كانت عليه وظيفة الدعم سابقاً، والذي استفاد
منه القطاع العام في مقابل قبوله أسعاراً منخفضة لصالح المستهلك.
4- عانت الأجور الحقيقية بالنسبة
إلى أغلبية العمال والموظفين أصحاب الكفاءات المتوسطة من تدهور متواصل نتيجة حرية
سوق العمل وقمع نشاط النقابات والعمل الجماعي، حتى أصبح مستوى هذه الأجور في مصر
أدنى مما هو عليه في بلاد ذات متوسط مماثل في الدخل القومي للفرد. وبمعنى آخر فهناك
تلازم بين ارتفاع الأرباح الاحتكارية من جانب وتواصل تفاقم الفقر من الجانب الآخر.
5- أدى النظام الضرائبي إلى تكريس
التفاوت الاجتماعي، وذلك من خلال رفض مبدأ الضريبة التصاعدية. وظل العبء الضرائبي
خفيفاً بالنسبة إلى الاغنياء، حسبما يطالب البنك الدولي، دون اعتبار إلى أن
التفاوت المعني تجلى في صعود الأرباح الاحتكارية ولاغير.
6- لم تنتج مجموعة الممارسات
الليبرالية المذكورة سوى معدل نمو معتدل- حوالي 3 بالمئة سنوياً، وصاحبه بالتالي
صعود البطالة. وإذا كان معدل النمو قد ارتفع عن هذا الحد الأدنى في بعض السنوات،
فإن ذلك لم ينتج إلا عن التوسع في بعض الصناعات الاستخراجية (النفط)، أو نتيجة
ظروف أتاحت رفع أسعار منتجات هذه الصناعات، أو ارتفاع إيرادات قناة السويس، أو
توسع أنشطة السياحة، أو زيادة تحويلات العاملين في الخارج. أي أن ارتفاع معدل
النمو أحياناً لم يكن ناتجاً عن تقدم في القدرة الإنتاجية للاقتصاد.
7- كذلك لم تتح هذه السياسات
تخفيف عجز الموازنة العامة وخفض عجز ميزان التجارة الخارجية، بل أدت إلى تدهور
متواصل لقيمة الجنيه المصري، وفرضت استدانة صاعدة؛ وهو الأمر الذي أتاح لصندوق
النقد الدولي فرصة فرض شروط قاسية لتنفيذ مبادىء الليبرالية.
ثالثاً: برنامج فوري لمواجهة
التدهور
أبدأ بالاعتراف بأن كاتب هذه
السطور لم يقم بإبداع شخصي في طرح عناصر البرنامج التالي، بل اكتفى بجمع اقتراحات
طرحتها مختلف الأطراف المكونة "للحركة"- من أحزاب اليسار والوسط
الديمقراطي ونقابات عمالية ومهنية ومنظمات الشباب والنساء... وما إلى ذلك. فقد
بذلت هذه القوى الفاعلة في الصراع مجهوداً ملحوظاً خلال عام 2012 من أجل التوصل إلى برنامج مشترك يواجة التحديات الآنية.
وقدم زميلنا الدكتور أحمد النجار عرضاً متماسكاً وشاملاً جمع فيه عناصر البرنامج. وفيما
يلي أهم البنود التي تشكل هذا البرنامج المحتمل:
1- لابد من إعادة النظر في صفقات
بيع موجودات الدولة. وهناك دراسات دقيقة- من مستوى "لاوديت"- تتيح تحديد
القيمة الحقيقية لهذه الأصول. وبما أن
المشترين لم يدفعوا هذا الثمن، فلابد من تحويل الملكية المعنية إلى كيان
جديد (شركة) يحدد رأسماله بقيمة الموجودات الصحيحة، وأن يكون المشتري صاحب حصة من
رأس المال هذا تعادل مادفعه، بينما يكون الباقي ملكاً للدولة، وأن يكون للدولة حق
عرض حصتها للبيع بثمنها الحقيقي. ولابد أن ينطبق هذا المبدأ على جميع المشترين
المصريين والعرب والأجانب.
2- لابد من تحديد حد أدنى للأجور
بحكم القانون، ومستواه المقترح هو 1200 جنية شهرياً (ما يعادل حوالي 155 يورو بسعر
الصرف الجاري أو 400 يورو حسب القيمة الشرائية)، علماً بأن هذا المستوى قد حُدد في
مارس 2012. ويُلاحظ أن هذا الحد الأدنى يقل عما هو عليه في بلدان أخرى متماثلة في
مستوى دخل الفرد. ويجب أن يكون الحد الأدنى المقرر قابلاً للتعديل بالموازاة مع
تطور الأسعار (نظام السلم المتحرك)، وأن تشارك النقابات جهاز الدولة المسئول عن
تنفيذه في جميع قطاعات النشاط الخاص والحكومي. وقد أثبتت دراسات دقيقة أن الموقع
الاحتكاري للأنشطة التي تسيطر على الاقتصاد، والتي تستفيد من حرية تحديد الأسعار،
قد أدى إلى تصاعد الأرباح الاحتكارية. وبالتالي، فإن رفع الأجور لن يؤثر في مستوى
الربحية الطبيعية العادلة. كما إن رفع الدعم المشار إليه آنفاً، من جانب، وزيادة
موارد الموازنة المتوقعة من خلال الإصلاح الضرائبي المقترح فيما بعد، من جانب آخر،
من شأنه أن يعوض تكلفة رفع مرتبات موظفي الدولة.
وهناك اقتراح يلازم ويكمِّل
تحديد الحد الأدنى للأجور، ألا وهو تحديد حد أقصى للأجور والمرتبات بحيث لا يزيد
الحد الأقصى عن 15 ضعف الحد الأدنى.
3- لابد من فتح مفاوضات ثلاثية
تجمع النقابات وأصحاب الأعمال والدولة من أجل التوصل إلى اتفاق على مشروع قانون
يخص حقوق العمال (شروط العمل والفصل، التأمينات الاجتماعية، المعاشات، الرعاية
الصحية... وما إلى ذلك). ويبدأ الإصلاح باعتراف الدولة بحقوق النقابات المستقلة وبحق
الإضراب.
وهناك اقتراح مكمِّل يتعلق بمنح
"معونة بقاء على قيد الحياة" (وهي ليست بمستوى التعويض الذي يُمنح عادةً
للعاطلين عن العمل) للعائلات التي تعاني من الفقر المدقع. وتُحدد شروط المنح
وقيمتها ووسائل تمويلها من خلال مفاوضات مفاوضات بين النقابات والدولة.
4- لابد من إلغاء أشكال الدعم
الممنوح للاحتكارات الخاصة. وهنا أيضاً تثبت الدراسات المتوفرة في هذا المجال عدم
صلاحية هذا الدعم ما دامت المؤسسات المعنية تعمل في ظل حرية تحديد الأسعار.
5- لابد من القيام بإصلاح النظام
الضرائبي على أساس إدخال مبدأ التصاعدية؛ وتحديد معدل الضريبة على أرباح المؤسسات
الإنتاجية (شركات ومؤسسات فردية تستخدم أكثر من 20 عاملاً). والمقترح هنا
نسبة 25 بالمئة، هذا إلى جانب إلغاء
الإعفاءات التي منحتها الدولة لصالح الاحتكارات العربية والأجنبية. وجدير بالذكر أن
عبء الضريبة المفروضة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو حالياً أثقل (نعم أثقل) في
كثير من الأحيان. ولذلك، فلابد من تخفيفه.
وفيما يتعلق بمعدل الضريبة على
الشريحة الأعلى من دخل الأفراد- والمقترح بهذا الصدد هو نسبة 35 بالمئة- فالملاحظ
أنه أخف ماهو عليه في المقارنات الدولية.
6- أثبتت الدراسة أن مجموعة
الاقتراحات المطروحة هنا تضمن إنجاز التوازن في الموازنة العامة. فسوف يحقق
تنفيذها التخلص من العجز الجاري (في السنتين 2009 و2012)، بل وتكفل تحقيق فائض
ملحوظ يمكن تخصيصه لرفع مستوى الإنفاق على التعليم والصحة ودعم الإسكان الشعبي،
وتجدر الإشارة إلى أن إعادة بناء قطاع حكومي في مجال توفير الخدمات لا تستلزم
اتخاذ إجراءات تعوق استمرار عمل الأنشطة الخاصة في هذه المجالات.
7- لابد من العودة إلى وضع
الائتمان تحت رقابة البنك المركزي، فلابد من التخلي عن المغالاة في تقديم القروض
السهلة للاحتكارات، وإعادة توجيه القروض المصرفية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
النشطة. وقد أثبتت دراسات دقيقة في هذا المجال أن هناك وسائل لتشجيع إنتاج
القطاعات الحرفية والصناعة والنقل والخدمات إذا توافرت لها القروض اللازمة. ويتيح
هذا للكثيرين، وخاصة في صفوف الشباب المتعلم والعاطل حالياً، القدرة على خلق وظائف
عمل لهم ولغيرهم.
8- ينظر البرنامج أيضاً في مطالب
صغار الفلاحين، وإن كان ذلك دون الدخول في التفاصيل. وجدير بالذكر أن هذا النقص
يرجع لتفتت حركة صغار الفلاحين، حيث ما زالت حركة الاحتجاج إلى الآن حضرية أكثر
منها ريفية. وبهذا الصدد تقدم الحركة اقتراحاً أولياً مفاده إصدار قانون يمنع (مؤقتاً)
نزع ملكية صغار الفلاحين الذين يواجهون صعوبات في دفع إيجار الأراضي. بالإضافة إلى
اقتراح مكمل يسعى إلى العودة لقانون تحديد الإيجارات، وهو قانون أُلغي في عهد
السادات ولايزال ملغياً في عهد مرسي.
وعلى الحركة أن تقدم اقتراحات أشمل
وأقوى. فهناك تكتلات من مهندسين زراعيين تقدميين طرحوا مشروعات مدروسة لإحياء إنتاج
صغار الفلاحين بوسائل مختلفة، منها إصلاح نظام الري (الري بالتنقيط)، وتشجيع
الزراعة الكثيفة لمنتجات ذات قيمة عالية (خضروات وفواكه)، وتأطير أسعار المدخلات
(أسمدة وكيماويات) بالرقابة الحكومية (على أن تشترك الجمعيات التعاونية في متابعة
التنفيذ)، وتدعيم موقع الفلاحين في مجال تسويق إنتاجهم من خلال إقامة جمعيات
تعاونية حرة وصحيحة... وما إلى ذلك. ولا جدال في أن نجاح مثل هذا البرنامج يتطلب
تدعيم العلاقات العضوية بين منظمات الفلاحين من جانب وتكتلات المهندسين الزراعيين
من جانب آخر، كما إنه يفترض إصدار قانون يعترف بشرعية تكوين منظمات الفلاحين.
9- من شأن تنفيذ الاقتراحات
المذكورة أن يدفع في اتجاه تنمية اقتصادية صحيحة. ويزعم أعداء هذا البرنامج من أنصار
الليبرالية المتطرفة أنه برنامج يغلق الأبواب لمشاركة الأموال الأجنبية في
التنمية. وهذا القول فاسد وينكره واقع التطورات الحديثة في الاقتصاد العالمي. فقد
أثبتت التجربة أن الدول التي رحبت بالمبادىء الليبرالية دون تحفظ، حتى تنازلت عن أي
برنامج تنموي وطني لصالح الاعتماد على فعل "حرية الأسواق"، لم تنجح في
جذب الأموال الخارجية. وفي هذه الأحوال، اكتفى رأس المال الأجنبي بغزو الموارد
الطبيعية المحلية ولاغير. وفي المقابل نجد أن الدول التي طورت مشروعاً تنموياً
وطنياً مستقلاً (مثل الصين) هي التي جذبت الأموال الخارجية التي وجدت في هذا الإطار
فرصاً حقيقية للعمل والكسب، فقبلت الشروط التي تفرضها الدولة الوطنية والتي تضع
حدوداً لأرباحها، ومن ثم اكتفى رأس المال الأجنبي بمعدل ربح طبيعي ومعقول.
10- أعلنت حكومة الإخوان المسلمين
تمسكها بالمبادىء الليبرالية المتطرفة، بل أبدت نيتها في إسراع تنفيذ برنامج "البنك
الدولي"، ولوَّحت في هذا الصدد باستخدام جميع وسائل القمع التي لاتزال سارية
المفعول. فالدولة الجديدة تظل دولة كومبرادورية في خدمة رأسمالية المحاسيب. والوعي
الشعبي يدرك ذلك كما تشهد عليه الشعارات المكتوبة على جدران القاهرة والقائلة: "الثورة
لم تغيِّر النظام ولكنها غيَّرت الشعب".
11- يُلاحظ أن البرنامج المذكور
يخص فقط الجانب الاقتصادي والاجتماعي للتحدي. بيد أن الحركة تناقش أيضاً الجوانب
السياسية وقضايا الحقوق الديموقراطية الفردية والجماعية، وتطالب باقامة "دولة
المواطنة" في مقابل مشروع الإخوان المتمثل في "دولة الجماعة الإسلامية".